بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي سيد المرسلين
وبعد
هذا هو الجواب :
فتوى دار الافتاء المصرية عن النقاب
هل يجب على المرأة أن ترتدي النقاب ؟
النقاب - بكسر النون - ما تنتقب به المرأة، يقال انتقبت المرأة، وتنقبت : غطت وجهها بالنقاب. والفرق بين الحجاب والنقاب، أن الحجاب ساتر عام، أما النقاب فساتر لوجه المرأة فقط.
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن جسد المرأة كله عورة بالنسبة للرجل الأجنبي عدا الوجه والكفين؛ لأن المرأة تحتاج إلى المعاملة مع الرجال، وإلى الأخذ والعطاء، وورد عن أبي حنيفة القول بجواز إظهار قدميها؛ لأنه سبحانه وتعالى نهى عن إبداء الزينة واستثنى ما ظهر منها. والقدمان ظاهرتان.
وظاهر مذهب أحمد بن حنبل، أن كل شيء من المرأة عورة بالنسبة للأجنبي عنها حتى ظفرها، وروي عن الإمام أحمد أنه قال : إن من يبين زوجته لا يجوز أن يأكل معها؛ لأنه مع الأكل يرى كفها، وقال القاضي من الحنابلة : يحرم نظر الأجنبي إلى الأجنبية ما عدا الوجه والكفين.
وقد اعتمد الجمهور على أدلة من القرآن والسنة، منها : قوله تعالى : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا }([1])، أي مواضعها، فالكحل زينة الوجه، والخاتم زينة الكف، وقد ذكر ابن كثير الآية وعقبها بقوله : «قال الأعمش : عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } قال : وجهها، وكفيها، والخاتم وروي عن ابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك»([2]).
ومن السنة ما روته عائشة رضي الله عنها ؛أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : «يا أسماء، إن المرأة إذ بلغت المحيض لم تصلح أن يري منها إلا هذا وهذا» ،وأشار إلى وجهه وكفيه([3]).
وحديث تذكير النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة لتوقي النار، وفيه : « فقالت امرأة من سطة النساء([4])، سفعاء الخدين : لم يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ...» ([5]) .وراوي الحديث هو جابر رضي الله عنه، وفيه إشارة إلى أن هذه المرأة كانت كاشفة عن وجهها، وأن رواي الحديث رأى ذلك منها. وغير ذلك من الأحاديث، وقد ادعى المخالف أن هذا نسخ بالنقاب، ولا دليل على ذلك النسخ، كما استشهدوا بآية الأحزاب : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } ([6]). وليس فيها تصريح بتغطية الوجه.
قال المرغيناني من الحنفية : « (وبدن الحرة كلها عورة إلا وجهها وكفيها)؛ لقوله عليه السلام : (المرأة عورة مستورة) واستثناء العضوين للابتداء بإبدائهما. قال رضي الله عنه : وهذا تنصيص على أن القدم عورة. ويروى أنها ليست بعورة وهو الأصح»([7]).
ومن المالكية قال الشيخ ابن خلف الباجي : «وجميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها»([8]). وقال في موضع آخر : «وقوله : (وقد تأكل المرأة مع زوجها وغيره ممن تؤاكله، أو مع أخيها على مثل ذلك) يقتضي أن نظر الرجل إلى وجه المرأة وكفيها مباح؛ لأن ذلك يبدو منها عند مؤاكلتها»([9])، وقد نقل ابن حجر الهيتمي عن القاضي عياض أن المرأة غير ملتزمة بستر وجهها إجماعًا ؛حيث قال : «نقل المصنف عن عياض الإجماع على أنه لا يلزمها في طريقها ستر وجهها، وإنما هو سنة وعلى الرجال غض البصر عنهن للآية»([10]).
وقضية الثياب مرتبطة ارتبطًا وثيقًا بعادات القوم، وبالنسبة للواقع المصري فالأنسب له أن يلتزم رأي الجمهور؛ لأن غطاء المرأة وجهها مستغرب في مجتمعنا المعاصر، ويتسبب في شرذمة للعائلات، أما المجتمعات الأخرى التي يتناسب معها مذهب الحنابلة، فلا بأس بأن تلتزم النساء فيه بهذا المذهب لموافقته لعاداته وعدم ارتباطه بتدين المرأة، وإنما جرى العرف عندهم والعادة أن تغطي المرأة وجهها.
ولذا فنرجح مذهب الجمهور، وهو جواز كشف الوجه والكفين، وتغطية ما عدا ذلك من جسد المرأة، كما نرى أن غطاء الوجه إذا كان علامة على التفريق بين الأُمَّة، أو شعارًا للتعبد والتدين؛ فإنه يخرج من حكم الندب أو الإباحة إلى البدعية، فيكون عندئذ بدعة، خاصة إذا تم استخدامه في أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، والله تعالى أعلى وأعلم.