[b]الشيخ محمد الغزالي
الاثنين 02 ربيع الثاني 1432 ـ الموافق 07 مارس 2011
بقلم الدكتور:- اليماني الفخراني
prof_alyamany@yahoo.com في مثل هذه الأيام المباركة، وبالتحديد في التاسع من مارس من كل عام، تهب علينا ذكرى مباركة، وهي ذكرى وفاة الشيخ محمد الغزالي، فنحن أمام قائد كبير من قادة الفكر والتوجيه، وإمام فذ من أئمة الفكر والدعوة والتجديد، بل نحن أمام مدرسة متميزة من مدارس الدعوة والفكر والإصلاح، لها طابعها الخاص، كما أن لها أسلوبها المميز، شخصية عاشت للإسلام، الإسلام حاضره، الإسلام ماضيه، الإسلام مستقبله.
كان يحتد ويشتد في نزاله الفكري، فيهدر كالموج، ويقصف كالرعد، ويزأر كالليث، حتى كأنك لتحسبه في بعض ما يكتب مقاتلاً في معركة، لا مجادلاً في قضية، وتحسب القلم الذي في يده السيف أو الرمح في يد خالد بن الوليد.
وسنقف الآن على بعض معاركه الفكرية ومواقفه الشامخة.أول معارك الشيخ الفكرية كانت ضد الظلم الاجتماعي.
فكانت معركته ضد الظلم الاجتماعي والامتيازات الطبقية، والفوارق الاقتصادية الفاحشة، التي جعلت – على حد قول الدكتور القرضاوي - بعض الناس يزرعون القمح ويأكلون التبن، يزرعون القطن ويلبسون الخيش، يبنون العمارات الشامخة على أكتافهم ويسكنون هم وعائلاتهم في البدرونات على أحسن الفروض، على حين يعيش الآخرون غرقى في الذهب والحرير دون أن يقدِّموا للحياة عملاً، وفي هذه الفترة ظهر للشيخ كتابه البكر "الإسلام والأوضاع الاقتصادية " ثم ظهر بعد ذلك كتابه الثاني في نفس الاتجاه "الإسلام والمناهج الاشتراكية "ثم "الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين ".
وقد يقول قائل ما فائدة أن يتكلم شيخ وعالم أزهري في الاقتصاد والاجتماع، وهنا يقول لك أستاذنا الشيخ الغزالي: " من العسير جداً أن تملأ قلب إنسان بالهدى، إذا كانت معدته خالية، أو أن تكسوه بلباس التقوى إذا كان جسده عارياً، فلا بد من التمهيد الاقتصادي الواسع، والإصلاح العمراني الشامل، إذا كنا مخلصين حقاً في محاربة الرذائل باسم الدين، أو راغبين حقاً في هداية الناس لرب العالمين. ومن هنا كانت توصياته الذهبية هذه الكلمات التي تكتب بماء الذهب على صفحات القلوب بأحرف من نور " يا ضحايا الكبت والفاقة والحرمان إن الشفاه التي تأمر بإذلالكم يجب أن تقص، والأوضاع التي تغتال حقوقكم يجب أن تقصى، والفراغ الذي خامر أفئدتكم تحت وطأة الاستعباد يجب أن تنزاح غمته إلى الأبد ".
معركته مع العلمانية
ولعل أبرز المعارك التي خاضها الشيخ وأطولها نفساً، وأشرسها هجوماً هي معركته مع العلمانية اللادينية، التي تعارض حاكمية الله لخلقه، وسيادة لشريعته على الناس، وتعزل الدين عن الحياة وعن المجتمع، وتحارب الذين يدعون إلى الإسلام الشامل، وتعتبرهم دعاة الرجعية وأعداء التطور.
وقد بدأت معركته مع العلمانية في كتابه"من هنا نعلم " وهو كتاب ردَّ به على كتابه "من هنا نبدأ " للشيخ خالد محمد خالد، الذي كان صديقاً للشيخ الغزالي من قبل، وكانا قد تعاونا على العمل للإسلام وارتضيا أن يكونا لجنة لنشر الثقافة الإسلامية الصحيحة تحت عنوان "الدين في خدمة الشعوب "رداً على الشيوعيين الذين يزعمون أن "الدين أفيون الشعوب " فلما خرجوا من المعتقل، فوجئ الجميع بأن الشيخ خالد محمد خالد قد غيَّر اتجاهه إلى زاوية أخرى مقدارها 180 درجة وأصدر كتابه الجديد "من هنا نبدأ " الذي صفَّقت له كل القوى المعادية للإسلام:شيوعية وصليبية وماسونية وعلمانية، وهنا تصدَّى له الغزالي في سلسلة مقالات قوية، نقد فيها شبهات خالد محمد خالد ورد عليه، ثم جمعت هذه المقالات في كتابه " من هنا نعلم " وكان من أقوى الردود على كتاب خالد محمد خالد.
معركته مع التدين الزائف
في السنوات الأخيرة جنَّد الشيخ قلمه لكشف التدين المغشوش، أو المغلوط، ومطاردة الأفهام السقيمة للإسلام، التي ابتليت بها الساحة الإسلامية في هذا الزمن، والتي شغلت الناس بالمسائل الصغيرة في الدين على حساب القضايا الكبرى، كما تجلى ذلك في كتبه " تأملات في الدين والحياة " وكتابه " ليس من الإسلام"، وهنا نتذكر المقولة الشهيرة " رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر وشواذ ابن مسعود
من مواقفه المشرفة
إليك بعض المواقف المشرفة في معاركه الفكرية، ففي المؤتمر الوطني للقوى الشعبية 1962م تحدَّث الغزالي فيه خارج الخط العام للمؤتمر منادياً بضرورة استقلال الأمة في تشريعها فلا تكون عالة على غيرها، وهذا هو الاستقلال الحقيقي، وبوجوب تميزها في تقاليدها وأزيائها، فلا تكون نسخة مشوهة للغرب في أفكاره وتقاليده، وهنا ثارت ثائرة الشيوعيين والمنحلين، وأعداء الحل الإسلامي.
وكتب رسَّام الكاريكاتور في ذلك الوقت "صلاح جاهين "14 رسماً كاريكاتورياً تحت عنوان " تأملات كاريكاتورية في المسألة الغزالية "كان يسخر بهذه المقالات من عمامة الشيخ الغزالي، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن كلمة الغزالي قلبت موازينهم، وأصابت منهم مقتلاً، ولقد بلغ التبجح بصلاح جاهين أن بعض الناس قالوا له: كيف تهاجم الإسلام ورجاله وهو دين الدولة الرسمي، فقال لهم: إذا كان الإسلام دين الدولة فسأحارب الدولة !.
ولقد غاظ الجماهير المسلمة أن يتعرض شيخها وإمامها الغزالي لهذه السخريات من صحفي أثيم، فخرجت يوم الجمعة 1/6/ 1962م من الجامع الأزهر في صورة مظاهرة شعبية غاضبة ضمت عشرات الألوف، وقد اتجهت الجماهير إلى دار الأهرام تعلن احتجاجها وسخطها. لقد سخر الشيوعي صلاح جاهين من عمامة إمامنا الغزالي، ولكن الشيخ وقف في المؤتمر في اليوم التالي يقول جهرة: " إن تحت هذه العمامة رأس مفكر، كان يحارب الظلم والإقطاع، أيام كان أمثال هذا قوادين لفاروق " وخرج الشيخ من المعركة مرفوع الهامة محفوظ الكرامة، مرعياً بتأييد الله تعالى له.
إحياء مسجد عمرو بن العاص
في عهد وزير الأوقاف الأسبق الدكتور عبد الحليم محمود الذي أصبح شيخاً للأزهر فيما بعد، قال للشيخ محمد الغزالي إني رأيت عمرو بن العاص في المنام يشكو من هجر مسجده، وكان المسجد مهملاً حتى في أجزاء منه أصبح مرتعاً للقمامة من أهل الحي، وطلب الوزير من الشيخ الخطابة بالمسجد، فرحَّب بذلك على الفور، وبالفعل تجدد المسجد مبنى ومعنى، وأقبل الناس على خطب الشيخ حتى بلغ عدد الحاضرين عشرات الألوف.
الاعتراف بالفضل لإخوانه
في إحدى الزيارات لألمانيا: عرضت إحدى القضايا العلمية الفقهية فأحال الإجابة على الدكتور القرضاوي، فلما رجع القرضاوي من إجابته فاجأ الجميع بقوله أمام الملأ من كبار الأساتذة: لقد كان القرضاوي تلميذي فيما مضى، وأما اليوم فأنا تلميذه !!!.
تعدد الزوجات
في السبعينيات عندما خرج مشروع يحرِّم تعدد الزوجات واعتبر التعدد هو سبب الفساد الاجتماعي اعترض الشيخ محمد الغزالي، وابن المحلة الكبرى الإمام محمد أبو زهرة واستطاعا أن يوقفا مشروع القانون.
هذا قليل من مآثرة، وبالله التوفيق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ